الجامعة الأردنية :: كلية اللغات :: انجازات الكلية

انجازات الكلية

من المؤلف الطلبة أم المعلم؟

تقرير حول الكتابات الإملائية لطلبة الصف الثاني التي نشرها المعلّم رامي السايس في صفحته على الفيسبوك

أعدّه طلبة مساق اللغويات القضائية، برنامج الدكتوراة/ الجامعة الأردنية بإشراف أ.د. جهاد حمدان


لقد قمنا نحن، طلبة مساق اللغويات القضائية في برنامج الدكتوراة في الجامعة الأردنية، بتوجيهٍ وإيعازٍ من أستاذنا الدكتور جهاد حمدان، بزيارة المعلّم رامي السايس وطلابِه من الصف الثاني في منطقة الزرقاء التابعة لوكالة الغوث الدولية بتاريخ 6 مارس 2018. 
وكان سبب الزيارة أنّ المعلّم رامي السايس كان قد نشر على صفحته في الفيسبوك بعض الكتابات الإملائية لطلابه من الصف الثاني، فقامت سيدةٌ بعد ذلك بأسابيع -وصفت نفسها بالخبيرة في الخط العربي- بالتعليق عليها، متهمةً المعلِّم رامي بتلفيق تلك الكتابات الجميلة وأنها من صنع يد واحدة وأنّ الطلبة لا علاقة لهم بهذا المستوى الإبداعي الذي نسبه مُعلِّمهم إليهم وافتخر به على الانترنت. 
فأردنا بناء على ذلك، وبصفتنا باحثين في مجال اللغويات القضائية، أن نسبر أغوار الحقيقة وأن نصل إلى نتيجة موضوعية مجردة على أساس ما تعلّمناه من علوم ومهارات وتقنيات يستعملها خبراء اللغويات القضائية، وعلى أساس ما يتوفر لنا في غضون الزيارة من أدلّة حسيّة ومشاهدة وإجابات عن أسئلة أعددناها مُسبقا للمعلّم رامي السايس تدور حول طرق تدريسه للإملاء وطريقة الكتابة وكيفية علاجه للأخطاء الإملائية وتفسيره لها، إضافة إلى الحصول على عينة أكبر من كتابات الطلبة والالتقاء بهم أثناء الدّرس وإجراء امتحان إملاء منظور وغير منظور لهم والوقوف بأنفسنا على مستواهم العلمي ومدى تفاعلهم مع المعلم ومقارنة كتاباتهم المنشورة في الفيسبوك مع الكتابات التي حصلنا عليها منهم. وتلخص النقاط الثمانية الآتية ما توصلنا إليه من خلال التحقيق الذي أجريناه: 
1) أنهى الطلبة صفهم الأول مع المعلّم السايس مما أتاح له أن يُدرّبهم على طريقة كتابة كل حرف على اللوح باستعمال الألوان ليتعلموا طريقة مسار حركة اليد في رسم كل حرف ويتمرّنوا على الالتزام بالسطر عند الكتابة ويجتنبوا الأخطاء الشائعة في الكتابة من خلال أمثلة تُعطى لهم عليها. وتلك المدة الطويلة التي قضاها الطلبة مع معلمهم (قرابة سنة ونصف) والعناية الكبيرة التي أولاها لتعليمهم حسن الخط تُمثّلان تفسيرا منطقيا للتشابه فيما بين الطلبة في حسن خطهم وإتقانهم رسم الحروف والتزامهم بالسطر، ناهيك أنّ الأطفال يميلون بالفطرة إلى تقليد معلّمهم وأن دراستهم معه لفترة طويلة وثناءه الشديد عليهم وتصويبه المستمر لهم وشرحه لأخطاء الكتابة يُفسّر أيضا التشابه بين كتابته وكتاباتهم. 
2) يُعطي المعلّم الطلبة بشكل دوري تمارين إملاء منظور لجُملٍ ينسخونها من الكتاب ومن كتابة المعلّم الذي يُقلد بدوره نموذج الكتاب المقرر ويُشجع الطلبة على أن يحذوا حذوه. وهذا لا يفسر التشابه بين خط الطلبة وخطّ المعلم فحسب، بل يفسر أيضا التشابه بين خطّهم وخطّ الكتاب المقرر.
3) يسمح المعلّم للطلبة بتصويب أنفسهم ومسح أخطائهم وإعادة كتابة الكلمات الخاطئة؛ بل ويشجعهم على ذلك تلميحا وتصريحا حيث يتجول بينهم أثناء التمرين حاثًّا من يخطئ على إعادة النظر فيما كتب وطالبا منه أن يحسن الاستماع ويجوّد الخطّ ويكرر له المعلّم الكلمة التي أخطأ فيها. وقد سمعناه يقول لأحدهم: "بزعل منك!"، فيتدارك الطالب الخطأ ويعيد الكتابة على النحو الصحيح قائلا: "آه صح تذكّرت!" وهذا يُفسر وجود آثار المسح والتصويب في كتابات الطلبة المنشورة في الفيسبوك ويدعم حقيقة كونها من صنع أيديهم ويدحض شبهة التشكيك في مصدر المستوى العالي نسبيا لأدائهم.
4) طلبنا من المعلّم رامي أن يُعطي الطلبة أمامنا تمرين إملاء منظور وآخر غير منظور يتضمن بعض الكلمات المنشورة على الفيسبوك والتي كانت مثار اهتمامنا لتشابهها الكبير مع خط المعلّم من جهة، ولكونها مثّلت أخطاء شائعة بين التلاميذ من جهة أخرى. ثم قمنا بمقارنة العينة التي حصلنا عليها من الطلبة بأنفسنا بالعينة المنشورة أونلاين، واستنتجنا أنّ العينة التي حصلنا عليها تُطابق العينة المنشورة من حيث ترتيب الخط والالتزام بالسطر وطريقة رسم الحروف وحتى بعض الأخطاء الإملائية.
5) لاحظنا عند دراسة العينة اشتراك الطلبة في تغميق رأس العين والغين المتوسطتين، فأردنا أن نتحقق من شبهة كون ذلك علامة على أنّ العينات كُتبت بيَد شخص واحد، فلاحظنا أثناء الحصة أنّ جميع الطلبة يكتبون العين على النحو المذكور. وعندما استفسرنا عن ذلك، تبيّن لنا أنهم يفعلون ذلك بتوجيه من الكتاب المقرر وبطلب من المعلّم وتشجيع منه بهدف التفريق في الكتابة بين حرف العين وحرف الفاء التي يكتبونها مُفرَغة الرأس.
6) طلبنا من المعلّم أن يُفسر لنا سبب خطأكثير من الطلاب في كلمة "الأطفال" وكتابتها على نحو "الائطفال" أو "الطفال" وخطئهم في كلمة "الطعامَ" التي كتبها عدد منهم على نحو "الطعامة". فأجابنا أنّ الهمزة والتاء المربوطة من المهارات الإملائية المتقدمة، وأنّ كلمة الأطفال تحتوي مثلا على همزة وصل وهمزة قطع متتابعتين، وقد يعْسُر على الطالب المبتدئ أن يُميّز بينهما. وقمنا على سبيل التأكد باختبار طلبة من مدرسة أخرى من الصف الثاني ووجدناهم يقعون في الأخطاء نفسها أو ما يشبهها. وبذلك يكون اشتراك الطلبة في تلك الأخطاء سلوكا إملائيا طبيعيا. 
7) قمنا بمراقبة الطلبة وهم يرسمون الحروف وقمنا بالتجول بينهم ولاحظنا أنّ معظمهم يسير على طريقة المعلّم في رسمها، كما طلبنا من عدد منهم أن يشرح لنا طريقة الكتابة وأن يبين لنا الصواب فيها من الخطأ، فكانوا يجيبوننا بعفوية ودقة وثقة. 
8) لاحظنا من خلال متابعتنا لمنشورات الفيسبوك ذات الصلة أنّ المعلّم مشهود له بالجدّ والاجتهاد في عمله وأنّ له سمعة طيبة بين أولياء الأمور والمتخصصين. وتبدى لأعيينا كيف يُتابع الطلبة متابعة حثيثة ويثني عليهم ثناء حسنا ويأخذ بأيديهم ويفتخر بهم. 
وبناء على جميع ما قمنا به من ملاحظات ومقارنات وتحليلات وأسئلة كثيرة وجهناها لكل من المعلّم والطلبة وبعد فحص العينة الكتابية الإضافية التي حصلنا عليها، فقد توصلنا إلى أنّ ادّعاء السيدة "الخبيرة" جانبه الصواب، وأنّ الكتابات المنشورة في صفحة الفيسبوك الخاصة بالمعلم رامي السايس هي فعلا من عمل الطلبة، وأنه يستحق ما ناله من ثناء وتقدير. 
وبقي لنا أن نشكر أستاذنا الدكتور جهاد حمدان الذي أتاح لنا هذه الفرصة التطبيقية لمساق اللغويات القضائية وعرض لنا القضية عرضا أثار فضولنا العلمي وحثّنا على البحث والاستقصاء كما هو شأنه دائما معنا. كما نتوجه بالشكر الجزيل إلى المعلّم رامي السايس على حفاوة استقباله لنا وشدة شفافيته معنا وما أبداه لنا من سعة صدر ومهنية وبُعْد عن التكلف وما أنفقه من وقت ثمين في الإجابة عن أسئلتنا واستفساراتنا. كما لا ننسى أن نشكر المدرسة وإدارة التعليم في منطقة الزرقاء التي أتاحت لنا اللقاء. كما نشكر الطلبة الذين تعاونوا معنا وأثلجوا صدورنا بتفوقهم وتميزهم ونقول لهم ختاما بلغة تحاكي ما يقوله لهم مُعلّمهم القدير: "بأمثالكم تكتمل فرحتنا! نحن مبسوطون منكم يا أبطال!"​